فصل: 102 الآية الثالثة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن عامر {خير مما تجمعون} بالتاء أي تجمعون أنتم من أعراض الدنيا.
وقرأ الباقون {فليفرحوا} و{يجمعون} بالياء فيهما على أمر الغائب أي ليفرح المؤمنون بفضل الله أي الإسلام وبرحمته أي القرآن خير مما يجمعه الكافرون في الدنيا.
{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} 61.
قرأ الكسائي {وما يعزب} بكسر الزاي وقرأ الباقون بالرفع وهما لغتان تقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف.
قرأ حمزة {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} بالرفع فيهما رد على قوله: {من مثقال ذرة} لأن موضع مثقال رفع قبل دخول من لأنها زائدة التقدير ما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
قال الزجاج ويجوز رفعه من جهة أخرى على الابتداء ويكون المعنى ولا ما هو أصغر من ذلك ولا ما هو أكبر إلا في كتاب مبين.
وقرأ الباقون {ولا أصغر} {ولا أكبر} بالفتح على معنى ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر والموضوع موضع خفض إلا أنه فتح لأنه لا ينصرف.
{وقال فرعون ائتنوني بكل سحر عليم} 79.
قرأ حمزة والكسائي {بكل سحار عليم} وقرأ الباقون {ساحر} الألف قبل الحاء وقد ذكرنا الحجة في سورة الأعراف.
{قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} 81.
قرأ أبو عمرو {ما جئتم به آلسحر} بالمد جعل ما بمعنى أي والتقدير أي شيء جئتم آلسحر هو استفهام على جهة التوبيخ لأنهم قد علموا أنه سحر فقد دخل استفهام على استفهام فلهذا يقف على قوله: {ما جئتم به} ثم يبتدئ {آلسحر} بالرفع وخبره محذوف المعنى الحسر هو.
وقرأ الباقون {ما جئتم به السحر} وما على هذه القراءة في معنى الذي جئتم به السحر والذي ابتداء والسحر خبر الابتداء كما تقول الذي مررت به زيد.
{ربنا ليضلوا عن سبيلك}
قرأ أهل الكوفة {ليضلوا} بضم الياء أي ليضلوا غيرهم وحجتهم في ذلك أن ما تقدم من وصف فرعون بما وصف أنه بذلك ضال غير مهتد فكان وصفه بعد ذلك بأنه مع ذلك مضل لغيره ويزيد الكلام فائدة ومعرفة ما لم يكن مذكورا فيما تقدم من وصفه.
وقرأ الباقون {ليضلوا} بفتح الياء أي ليضلوا هم وحجتهم قوله: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقد ضلوا.
{قال قد أجيبت دعوتكم فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}
قرأ ابن عامر {ولا تتبعان} بتخفيف النون المعنى {فاستقيما} وأنتما لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون وهو الذي يسميه بعض أهل العربية الحال والمعنى فاستقيما غير متبعين سبيل الذين لا يعلمون.
وقرأ الباقون بالتشديد {ولا تتبعان} بالتشديد موضع تتبعان جزم إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكدة وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها واختير له الكسر لأنها بعد الألف وهي تشبه نون الاثنين.
{قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} 90.
قرأ حمزة والكسائي {قال آمنت إنه} بكسر الألف وحجتهما أن كلام متناه عند قوله: {آمنت} وأن الإيمان وقع على كلام محذوف نظير قوله: {ربنا إننا آمنا فاكتبنا} ولم يذكر ما وقع الإيمان عليه وتقديره آمنت بما كنت به قبل اليوم مكذبا ثم استأنف إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.
وقرأ الباقون {آمنت أنه} بالفتح على تقدير آمنت بأنه فلما سقط الخافص عمل الفعل فنصب.
{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين} 103.
قرأ الكسائي وحفص {كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين} خفيفة وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان تقول أنجى ينجي ونجى ينجي مثل كرم وأكرم وعظم وأعظم وحجة من شدد هي أن أكثرهم أجمعوا على تشديد قوله: {ثم ننجي رسلنا} فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وحجة من خفف قوله: {ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} وقول: {فمهل الكافرين} ثم قال: {أمهلهم رويدا} فجمع بينهما لمعنى واحد. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

.قال الخطيب الإسكافي:

سورة يونس عليه السلام:

.100 الآية الأولى منها:

قول تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} يونس: 18 وقال في سورة الفرقان: {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم}.
للسائل أن يسأل عن تقديم {يضرهم} على {ينفعهم} في الآية الأولى، وتقديم {ينفعهم} على {يضرهم} في الآية الثانية؟ وهل صلح أحدهما مكان الآخر؟.
فالجواب ان يقال: إنما قدم: {ما لا يضرهم} على {لا ينفعهم} في الآية الأولى لأن العبادة تقام للمعبود خوفا من العقاب أولا، ثم رجاء للثواب ثانيا، وقد تقدم في هذا المكان ما أوجب تقديم {ما لا يضرهم} على {لا ينفعهم} في الآية الأولى، وهو قوله: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} يونس: 15 فكأنه قال: ويعبدون من دون الله ما لا يخافون ضررا في معصيته، ولا يرجون نفعا في طاعته، فتقدم {ما لا يضرهم} على {لا ينفعهم} في هذا المكان لهذا المعنى ولهذا اللفظ المتقدم.
وأما سورة الفرقان فقد تقدمت فيها آيات قدم فيها الأفضل على الأدون كقوله عز وجل: {وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} الفرقان: 53، وكقوله بعده: {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا} الفرقان: 54، وصلة النسب أفضل من صلة المصاهرة، كما أن العذب من الماء أفضل من الملح، وقال بعده: {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم} أي: يتكلفون المشقة بعبادة ما لا يرجونه لنفع، ولا يخشونه لضر، فقدم الأفضل على الأدون لهذا المعنى، وللبناء على ما تقدم من الآيات، فجاء في كل موضع على ما اقتضاه ما تقدم، وصح المعنى الذي اعتمد عليه.

.101 الآية الثانية منها:

قوله تعالى: {... فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمة ربك الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} يونس: 32-33.
وقال في سورة المؤمن 5-6 {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار}.
للسائل أن يسأل في هاتين الآيتين عن ثلاث مسائل:
إحداهما: دخول الواو على {كذلك} في سورة المؤمن وخلوها منها في سورة يونس.
والثانية قوله في الأولى: {على الذين فسقوا} وفي الثانية: {على الذين كفروا}.
والثالثة: قوله في يونس: {أنهم لا يؤمنون} وفي المؤمن {أنهم أصحاب النار}.
والجواب عن المسألة الأولى، وهي ترك الواو في هذا الموضع وإثباتها في سورة المؤمن: أن القصة بعد {كذلك} هي التي قبلها، فهي مرتبطة بها بعودها إليها، وبكاف التشبيه، فاستغنت بهذين الرابطين عن حرف العطف، هؤلاء الذين حقت عليه كلمة الله، أنهم لا يؤمنون، هم الذين خوطبوا بقوله: {قل من يرزقكم من السماء والأرض...} [يونس: 31].
وليس كذلك ما في سورة المؤمن، لأنه وإن تعلق به بكاف التشبيه فإنه ينقطع عنه بأن المذكورين بعد كذلك غير المذكورين قبلها، ألا ترى أن قوله: {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل...} [المؤمن: 5] خبر عن الذين كانوا قبل النبي وما بعد قوله: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} [المؤمن: 6] إنما هو وعيد لمن هو في عصره عليه الصلاة والسلام، فلمت انقطع ما بعد كذلك هنا عما قبلها احتاج إلى الواو، وما في سورة يونس لما لم ينقطع ما بعدها عما قبلها لم يحتج إليها.
والجواب عن اختصاصه بقوله: {على الذين فسقوا} في سورة يونس، واختصاص ما في سورة المؤمن بقوله: {على الذين كفروا} فلأن الأول في ذكر قوم أخبر عنهم بقوله: {قل من يرزقكم من السماء والأرض...} [يونس: 31] فأخذ إقرارهم بأن الله تعالى هو الذي يرزقهم من مطر السماء ونبات الأرض، وهو الذي يملك أسماعهم وأبصارهم، فإن أحب سمعوا وأبصرواـ وإن لم يرد ذلك صمو وعموا، وهو الذي يخرج الحي من الميت كالفرخ من البيضة، ويخرج الميت من الحي كالبيضة من الدجاجة، وأنه هو الذي يدبر أمور الخلق من ابتداء أحوالهم إلى انتهائها، وكانوا ممن أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {... والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى...} [الزمر: 3] فباينوا بإثبات الصانع وما زعموه من معرفة الخالق من أنكره وجحد بآياته، وفسقوا بأن عبدوا معه غيره، ولم يثبتوا النبي ونبوته الفسق الذي هو كفر لا ينفع معه الإقرار الاول، فقال تعالى: هؤلاء الذين أقروا بالصانع وصفات فعله، ثم خرجوا عما دخلوا فيه بإنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعبادة آلهة مع الله تعالى كان ذلك فسقا لخروجهم عن حكم من يقر بما أقروا به، والفسق فسقان:
أحدهما هو الكفر، وتسميته به لهذا الوجه الذي قلناه، وهو كقوله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} السجدة: 20.
والثاني فسق ليس بكفر كقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4] ليس المراه بهد الكافرين، فأخبر عن هؤلاء بـ {الذين فسقوا} في سورة يونس لذلك.
وأما في سورة المؤمن فإنه لم يتقدمه مثل ما تقدم هنا، بل قال تعالى قبله: {ما يجادل في آيات الله الذين كفروا فلا يغررنك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح...} المؤمن: 4-5 فأخبر عن الكفار الذين في عصره بأنهم كفروا بمجادلتهم في آيات الله، فشبههم بالقوم الذين مضوا قبلهم حيث قال: {وهمت كل أمة بسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} [المؤمن: 5] ثم قال تعالى: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} المؤمن: 6 فلما أراد الذين قدم ذكرهم من أول القصة، وهو الذين أخبر عنهم بقوله: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررنك تقلبهم} المؤمن: 4 كان أن يصفهم بما وصفهم به قبل من الكفر أولى وأدل على أن المعنيين بوجوب النار لهم، هم الذين قدم ذكرهم.
والجواب عن المسألة الثالثة، وهي: {كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} يونس: 33 وقوله في سورة المؤمن 6: {أنهم أصحاب النار} فلأنه تعالى أراد أن يبين أنهم وإن أقروا بالله تعالى وأثبتوه خالقا قادرا صانعا غير مؤمنين، وما داموا يعبدون غير لا يؤمنون، فالقصد إلى إبطال ما بذلوه بألسنتهم من الإقرار بخالقهم، والقصد في الآية التي في سورة المؤمن توعدهم على كفرهم بالنار إذ لم يتقدم ذكر إقرار يشبه إقرار المؤمنين، فيبطل بتركهم سائر ما أمر الله تعالى به.

.102 الآية الثالثة منها:

قوله تعالى: {ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكقرهم لا يعلمون} [يونس: 55].
وقال بعده في العشر التي تلي هذه العشر: {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء...} [يونس: 66].
وقال بعده في هذه العشر: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا...} [يونس: 68].
للسائل أن يسأل في ذلك عن مسائل:
إحداهما: لماذا كان في الآية الأولى: {ما في السموات والأرض} وفي الثانية: {من في السموات ومن في الأرض} وهل صلح من في الآية الأولى، وما في الثانية؟
والمسألة الثانية: ما الذي دعا إلى التوكيد في من حتى أعدت في قوله: {ومن في الأرض}، ولم تعد ما في الآية الأولى عند ذكر الأرض؟.
والمسألة الثالقة عما دعا إلى تكرير ما في قوله: {له ما في السموات وما في الأرض} ولم يكررها في الآية الأولى في قوله: {ألا إن لله ما في السموات والأرض...} ولم يقل: وما في الأرض؟.
فالجواب عن المسألة الأولى، واختصاص ما حيث اختصت، واختصاص من حيث اختصت، هو أن الأولى جاءت بعد قوله تعالى: {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به...} يونس 54، فكان المعنى: أن النفس الظالمة إذا رأت عذاب الله تعالى لو ملكت جميع ما في الأرض لبذلته في فداء نفسها، وهي تحرص على اليسير من حطامها في ظلم أهلها، فكرر على ذلك بقوله: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} يونس 55 أي أن النفس الظالمة لا تملك ما في الأرض فتفتد به، ولو ملكته لما قبل في فدائها، وكيف يكون لها ذلك؟
والله تعالى مالك ما في السموات والأرض، وليس للعبد ذلك، ولا محله هنالك، يوجب لهذا المكان ما لقوله: {ما في السموات والأرض}، والمراد: نفائس ما في الأرض مما ملكه الله تعالى العباد.
وأما الموضع الذي ذكر فيه من فلم يصح فيها غيرها، لأن قبله {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} يونس: 65-66 والمعنى: لا يحزنك ما يتوعدك به الكفار من القتل وأنواع المكروه فغن العزة لله تعالى، لا يمنح الكفار قدرة على ما يريدونه منك، بل يعطيك القدرة عليهم، والغلبة لهم، فإنه يملك من في السموات ومن في الأرض، ولا قوة لهم إلا به، ولا قدرة لهم إلا من عنده، فاقتضى هذا المكان من كما رأيت.
والجواب عن المسألة الثانية، والسبب في إعادة من فيها، وترك إعادة ما في الآية الأولى فقال: {ومن في الأرض} وقال هناك: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} ولم يقل: ما في الأرض، فلأن المقصود بالذكر أنه قادر على أن يكفي النبي أمره هو، من في الأرض من الكفار الذين بعث إليهم وخوفوه أذاهم، فقرن إلى ذكرهم ذكر من في السموات، وهم أكبر شأن وأعظم أمرا، فإذا ملكوا كان من دونهم أدون، فإعادة من مع ذكر الأرض للتوكيد الذي اقتضاه القصد إلى ذكرهم.
وأما حذف ما في الآية الأولى عند ذكر الأرض فلأن ذكرها قد تقدم، وهو: {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض} فلما قال: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} كان ما في ذكر الأرض هناك، ورجوع هذا إلى ذلك المعنى مثل ذكره في هذا الموضع، فأغنى ذلك عن التكرير.
والجواب عن المسألة الثالثة، وهي تكرير ما في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} يونس: 68 مع حذفها من الآية الأولى، هو أن قبله: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض} يونس: 68 فنزه نفسه تعالى عن الولد، وأخبر أنه غني عما يجلب باتخاذه، ويستفاد بمكانه، إذ كان مالكا لكل ما في السموات وما في الأرض، فكان الموضع موضع توكيد، فكأنه قال: إذا كان له كل ما في السموات وما في الأرض، فلماذا يتخذ الولد؟ ولا يجوز عليه اجتلاب مسرة وانتفاع به، لأنه هو الغني بنفسه، فإعادة ما في هذا المكان لهذا الضرب من التوكيد، أي هو غني لا يحتاج إلى ولد يعينه على شيء مما في السموات، وهو مالك له كله، ولا إلى أن يعينه على شيء مما في الأرض، وهو مالك له بأسره، فلما تأكد الكلام في مثل هذا المكان جاءت ما معادة لهذا الشأن والله تعالى أعلم.

.103 الآية الرابعة منها:

قوله تعالى: {... وأمرت أن أكون من المؤمنين} يونس: 104.
وقال في سورة النمل في آخرها 91: {... وأمرت أن أكون من المسلمين} للسائل أن يسأل عن اختصاص هذا المكان بـ {المؤمنين} واختصاص آخر سورة النمل بـ {المسلمين}؟
والجواب أن يقال: أن قبل هذه الآية في سورة يونس قوله تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} يونس: 103 فقال بعده: وأمرت أن أكون منهم.
وأما في سورة النمل فإن قبل هذه الآية منها: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} النمل: 81 فكأنه قال: وأمرت أن أكون ممن إذا سمع بآياته آمن بها، وكان من المسلمين الذين مدحوا بأن النبي يسمعهم، إذا ينتفعون بما يسمعونه منه، فلما تقاربت اللفظتان وكانتا تستعملان لمعنى واحد، حملت كل واحدة منهما على اللفظ الذي تقدمها ولا ئمها.

.104 الآية الخامسة منها:

قوله تعالى: {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} يونس: 108.
وقال في آخر سورة النمل 92: {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين}.
للسائل ان يسأل عن اختلاف الموضعين، وقوله في الأولى: {ومن ضل فإنما يضل عليها} وفي الثانية: {ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين}؟
والجواب أن يقال: إن الآية الأولى فإنه لما قال فيها: {فإنما يهتدي لنفسه} أي منفعة اهتدائه له، وهي دوام النعمة والخلود في الجنة فاقتضى هذا في الضلال ضده، فقال: {ومن ضل فإنما يضل عليها} أي ضرر ضلاله عليه، وهو دوام العقاب بأليم العذاب {وما أنا عليكم بوكيل} ولا يلزمني أن أقيكم ما لا تقونه أنفسكم كالوكيل الذين يلزمه حفظ ما وكل به مما يضره.
وأما في الآية الثانية في آخر سورة النمل فإنها عدل بها عند ذكر الضلال عما حملت عليه في الآية التي في آخر سورة يونس لتحمل على الفواصل التي قبلها وهي مختومة بالواو والنون، أو الياء والنون، فقال تعالى: {ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} أي: ممن يعلمكم ما يلزمكم أن تحذروه ويخوفكم ما يجب عليكم أن تجتنبوه فاشتمل هذا على معنى: {ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} لأن في قوله تعالى: {فإنما يضل عليها} أي: لست ممن يكره على ما يحميكم من النار، ويقيكم حر العقاب كالوكيل الذي يحامي على ما وكل به أن يناله ضرر، مثل {وما أنا عليكم بوكيل} فجاء على لفظ {إنما أنا من المنذرين} لتكون الفاصلة مشاكلة للفواصل التي قبلها مع تأدية مثل المعنى الذي أدته الآية التي شابهتها.
انقطعت سورة يونس عن خمس آيات فيها تسع مسائل. اهـ.